حكم التصوف وضرورة الاقتداء بشيخ عارف
لما كانت الحكمة من وجودنا في هذه الحياة هي : معرفة الله تعالى علما ومذاقا ، وحيث إنه لوحظ في عصرنا الحديث انتشار المعاصي وفساد القلوب بما لم يعهد من قبل فإنه يجب على من انفرط عِقْدُه من ربه ، وعجز عن أن يقدم لربه توبة نصوحا يتطهر أثناءها من أدران المعاصي : أن يأخذ الطريق على يد شيخ مجرب في تطبيبه للقلوب وإصلاح الخلق على علام الغيوب ، ويتأكد الوجوب أكثر على علماء الشريعة ، فقد قال أحد العلماء المحققين : إن العالم إذا لم يتصوف على يد عارف بالله يخشى عليه من سلب الإيمان!!.
لأن التصوف من أجلّ العلوم قدرا ، وأعظمها محلا وفخرا، وهو الذي تعرف به أحوال النفس محمودها ومذمومها ، وكيفية تطهيرها من المذموم منها ، وتحليتها بالاتصاف بمحمودها ، وبه يعرف كيفية السلوك إلى الله تعالى ، والفرار إليه (1).
فكفى به تهذيبا للنفوس وتنويرا للقلوب ، ومعرفة لعلوم الغيوب ، وسلامة للصدور ، وحُسْنًا للخُلُق مع كل مخلوق ، والنجاة في الآخرة ، والفوز برضاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم .
فقد قال الإمام الطيبي رحمه الله :" لا ينبغي للعالم ولو تبحر في العلم ، حتى صار فريد عصره ، وواحد زمانه أن يقتصر على علمه ، وإنما الواجب عليه: الاجتماع بأهل الطريق ليدلوه على الطريق المستقيم ، حتى يكون من قوم يحدثهم الحق في سرائرهم من شدة صفاء باطنهم ، ويخلصهم من الأدناس.
وأن يجتنب ما شاب علمه من كدورات الهوى ، وحظوظ نفسه الأمارة بالسوء ، حتى يستعد لفيضان العلوم اللدنية على قلبه ، والاقتباس من مشكاة أنوار النبوة ، ولا يتيسر ذلك عادة إلا على يد شيخ كامل عالم بعلاج أمراض النفوس، وتطهيرها من النجاسات المعنوية ، وحنكة معاملاتها علما وذوقا ، ليخرجه من رعونات نفسه الأمارة بالسوء ودسائسها الخفية.
فقد أجمع أهل الطريق على : وجوب اتخاذ الإنسان شيخا له ، يرشده إلى زوال تلك الصفات التي تمنعه من دخول حضرة الله بقلبه ، ليصحح حضوره وخشوعه في سائر العبادات".
ولاشك أن علاج أمراض الباطن واجب ، ولا يمكن لإنسان أن يعالجها بنفسه ، وقديما قالوا: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فليكن تصوفك على يد شيخ عارف بالله تعالى ، فإن المقطوع لا يوصل مقطوعا ، وفاقد الشيء لا يعطيه ، فإذا لم تجده فأكثر من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي شيخ من لا شيخ له ، وهي تضيء القلب ، وذلك حتى يتيسر لك شيخ يهذب نفسك ويرقي روحك في مدارج السالكين إلى الله تعالى ، ولا شك في أنك ستعثر عليه إذا أخلصت في نية البحث عنه.
إذ أنَّ هذا الشيخ ، يعاهدك على طاعة الله ورسوله ، ويريك عيوب نفسك ، ويساعدك بدعائه وروحه المشرقة على التخلص منها ، ويعينك في السلوك إلى الله على بصيرة ، وإلا تعرضت لفتنة الشيطان والنفس إذا سلكت وحدك.
وبتلك المساعدة من شيخك يزداد يقينك ، وتشعر بحلاوة الإيمان في قلبك، ويمنح الله صدرك ميزانا حساسا تزن به إيمان نفسك ، وتميز به الحلال من الحرام ، قال الله تعالى :{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (21) } [الأعراف] فلا غرو فقد أصبحت من عباد الرحمن ، قال الله سبحانه : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)}[ الحجر].
من كتاب كشف الغطاء عن اهل البلاء (العارف بالله الشيخ صالح ابو خليل)