نعال إلى خادم يقدم التحيات للرجال ثم إلى ما طلبه الإخوان
أن يكون قائما مقام المربي لهم بالطريق وكيف انتقل إلى الخلوة خمس سنين للعبادة
وكيف لم تسعه القبور فهام على وجهه أربع سنوات لا مسكن ولا رياش ولا أثاث وكيف ختم تلك السنين بحج وزيارة طعامه بمكة ماء
زمزم وبالمدينة تاجر ولنفسه من السؤال أكرم وكيف تصدق بما نال من مال وذلك بعد ما
كان يريد العمل والكسب دون إذن فآذته امرأة ولكن عند الإذن بالتكسب لم يتعب وكيف
زاول مكة إلى المدينة وكيف انتهى الامتحان باصطفاه وتعيينه وكيف كان عند رجوعه
خالي الوفاض وأن الله رزق ووهب وأفاض وكيف ابتدأ الدعوة واستجاب صفوة الطلاب وكيف
تعدت الدعوة إلى البلاد المجاورة وكيف كان عند محاربته وإرادة التعدي بعد التحدي
وكيف انتصر وصفا له العصر والانتقال إلى مختلف البلاد للهداية والإرشاد وكيف كان
معهده يضج مولد الرسول الأكرم من له بالمهمات وقضاءها يكرم وكيف كان العيدان
للطريق أعياد...
نعم ... كان في كل ما مر من أمر امتحان والنجاح والثبات فقد كان
في كل ذلك مسكينا لله خاضعا مرتكنا وعلى فضل الله الذي جنبه سوء روقاه ولذلك أعطاه
تمكينا وتأمينا وكان بالارتكان على الله يزول ما يلاقي من توقفات في المسير وما
الارتكان إلا التوكل الذي يتفرع منه الرضا والتسليم والاستسلام والتفويض التام
وبذا تم الإنعام والإكرام حتى ارتحل لحي ذي الجلال والإكرام...
***
24-
وببذلي للمال في دون مَنٍّ حيث
أن المنان والمعطِ ربي
نعم كيف يكون منه من على من ساعده بمال الله الذي آتاه وهو لديه
أمانة وديعة لله وهو يحفظ كتاب الله ويفهم مؤداه وهو القائل تعالى( وآتوهم من مال
الله الذي آتاكم ) والقائل: ( وما أنفقتم من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء
وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) والقائل: ( وما تنفقوا من
خير فإن الله به عليم ) والقائل: ( وما أنفقتم من خير فهو يخلفه) والقائل ( فاتقوا
الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم
المفلحون) والقائل : ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور
حليم ) والقائل : ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم
عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ....
وهذا ما خاطب الله به من أعطاهم المال.
قال تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط
منفقا خلفا ويقول الأخر : اللهم أعط ممسكا تلفا"
وعنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله
تعالى : انفق يا بن أدم ينفق عليك"
وعن أنس رضي الله عنه قال :" ما سئل رسول الله صلى الله
عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه ولقد جاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع
إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر وإن كان
الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يلبث إلا يسيرا حتى يكون الإسلام أحب إليه من
الدنيا وما عليها" رواه
مسلم.
وقال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن
والأذى ) وقال تعالى : ( والذين ينفقون
أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى).
وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إلى هم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قال:
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا
رسول الله؟ قال: المسبل(1) والمنان (2) والمنفق سلعته (3) بالحلف الكاذب
"
رواه مسلم
وخاطب البخلاء الأشحاء بقوله تعالى: ( وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه
ماله إذا تردى ) وقال تعالى: ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان
قبلكم (4) حملهم على أن يسفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" رواه مسلم
وكذلك كان توجيه سيدنا رسول الله
فكيف لمن علم هذا أن يكون إلا مرضيا لمولاه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المرخي ثوبه خيلاء
(2) من أنعم واصطنع الجميل
ومن على من عمل معه الجميل
(3) بضاعته ومتاعه
(4) من بني إسرائيل
25-
بخوفي بتقوى بالحياء بهيبتي رأيت
صفاء لا يكيفه قلبي
بخوفي : خوف الايمان وعلامته: مفارقة المعاصي والذنوب وهو خوف
المريدين وخوف السلف وعلامته: الخشية والإشفاق والورع وهو خوف العلماء وخوف الفوت
وعلامته: بذل الجهد في طلب رضا الله لوجود الهيبة والإجلال لله عز وجل وهو خوف
الصديقين ومقام الملائكة.
نعم كنت خائفا لله عندما كنت أقرأ من الآيات ما هو مخوف لي
كقوله تعالى: ( وإياي فارهبون) وقوله تعالى: (
إن بطش ربك لشديد ) وقوله تعالى : ( (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي
ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية
لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل
معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار
لهم فيها زفير وشهيق) وقوله تعالى : ( ويحذركم الله نفسه ) وقوله تعالى : ( يوم
يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شيء يغنيه) وقوله
تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل
مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب
الله شديد )
ونكتفي بالمذكور الموجود بالمقدمة في شرح الخوف.
بتقوى: قال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته )
وقال تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا
اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله من أكرم
الناس ؟ قال " أتقاهم " فقالوا ليس عن هذا نسألك قال : " يوسف نبي
الله ابن نبي الله بن خليل الله " قالوا: ليس عن هذا نسألك قال : " فعن
معادن العرب تسألوني؟- خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " ..
أي فهموا فصاروا عالمين بالأحكام مثقفين أصحاب مروءات ومكارم أخلاق ثمرة تعليم دين
الله .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا
الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت بالنساء"
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان
يقول : " اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " رواه مسلم
بالحياء : قال العلماء : حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع
من التقصير في حق ذي الحق.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر
على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" دعه فإن الحياء من الايمان متفق عليه
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " الحياء لا يأتي إلا بخير " ( متفق عليه ) وفي رواية لمسلم :
" الحياء خير كله " أو قال " الحياء كله خير ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: " الايمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله
وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الايمان". متفق عليه
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدره ..." البكر حال اختلائها
بالزوج الذي لا تعرفه من قبل تستحي منه " فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه
" ... لذلك استحيي شيخنا أن يراه مولاه مقصرا في الدعوة إليه. إلى غيره
مطمئنا ولغيره ناظرا أو يراه بنعمته كافرا أو يراه عاصيا بالرذائل متصف أو يراه
غافلا عن الفضائل غير عامل بها ومتبع أو يراه خمولا كسولا أو يراه مبتغ عن الحق
بديلا أو يراه شحيحا بخيلا أو يراه في أي شيء نهى عنه مولاه بل يجب أن يراه في كل
ما يشرفه يوم يلقاه حتى يفوز بالتجاه شافعا في أبناه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا
من أتى الله بقلب سليم ليلقي هو ووفده من الله تعالى الإكرام الإلهي العميم وهذه
نهاية المستقيم.
بهيبتي : التي هي أشد من الخوف فإن الخوف قد يكون من سوء الجزاء على
الأوزار أو الطرد وغيره مما يسبب دخول النار أو خوف سقوط المنزلة عند العباد وغير
ذلك مما يصيب العابد ولكن الهيبة هي مهابة ذات الله إجلالا لله لأنه الله المعبود
بحق وعبادة غيره باطلة كل البطلان فليس هناك كفء ولا مثيل للرحمن المنزه عن الوالد
والشريك والولد وهو الغني والكل مفتقر إليه متوكل عليه مفوض أمره إليه فكل حي غيره
فان وإليه يأتي مسرعا يوم البعث غير متوان مقرا بما فعل ومحاسبا عليه راجي النجاة
وهذا هو الله الذي يهابه إجلالا لجنابه فلا حول ولا قوة أي تحول عن شيء إلا بأمره
ولا قوة على فعل شيء إلا إذا أراده وشاءه وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن
فيكون لأنه مبدع الكون وما فيه ومن فيه له العزة والكبرياء والملك والملكوت فسبحان
الحي الباقي الدائم الذي لا يموت والذي بصفات الجلال والجمال موصوف منعوت.
***
26-
باعتصامي بالله بعد انفصامي
عن سواه تم الوثوق بربي
باعتصامي : هنا يكون باعتصامه بالله تعالى امتثالا لأمر الله تعالى
القائل : ( واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ) والقائل تعالى : (
ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم )
والاعتصام به تعالى لأنه الذي بيده مقاليد السموات والأرض
المدبر لأمرها والحاكم المالك لها فلنرجع للاعتصام به تعالى ( ومن يتق الله يجعل
له مخرجا ) أي مخرجا من كل أمر محرج في الدنيا والآخرة ومعنى ذلك أن لا نسأل إلا
هو ولا نطلب الحاجات والنصر إلا منه ولا ملجأ في المهمات إلا له ولا نخاف إلا منه
ولا نتقي إلا إياه ولا نتوكل إلا عليه وله تعالى نسلم ونفوض ونستسلم ونرضى .
وهنا يكون الاعتصام بالله هو طريق الفلاح وباب النجاح كما يقول
القائل: اعتصمت بالمنزل هذا اليوم اتقاء الرياح والبرد والأمطار أي لزمته .
بعد انفصامي عن سواه : أي انفصالي وتركي لكل ملة ودين
لسواه فكل ما سواه في نظره قاطع عن الله لذلك كانت الخلوات والهيام بالفلوات
والانقطاع والتفرغ وليس هناك إلا ذكر الله والتضرع في دنياه ما يشغله عن الله
ويمنع.
تم الوثوق بربي : أي تم سكون القلب إلى الثقة بالله والانقياد التام
لأمره تعالى والرضا بما قضاه بل وأكثر من ذلك فإنه القائل : " كل ما يأتي من
المحبوب محبوب " وبذلك كان رضي الله عنه يعامل مولاه علام الغيوب وكان يقول
عند الشدائد : المهم أن يكون الله راضيا عني ويقول وهو فرح ومغن : " وكل ما
جاء من محبوبي يعجبني " بلهجة بدوية موسيقية تجعل السامع لها في طرب مما لهذه
المقالة بهذه النغمة من حنين المحبين للرب وبهذا كان يزول الكرب بشعور القلب برضا
الرب ولشعور منهم كيف يكون الله حنانا منانا للإنسان وعلى كل ساكني الأكوان .
***
27-
بانكسار بذلتي بخضوعي
بخشوعي بانقطاعي لربي
يقول هذا البيت الذي هم تمام للمقامات والإقامات السابقة كنتائج
لاحقة وكأنه يقول : إنه لم يصب من العطيات بداء العجب والكبر والتعالي والتفاخر
معتزا عن الخلق بما حباه به مولاه.
ويعلم من البيت الآتي الأسباب التي حفظه بها من أعطاه ووالاه.
***
28-
بصدق بقولي والفعال ونيتي وودي
ووعدي والتوجه للرب
أي بصدقي فيما أقول وهو ضد الكذب لطالب المنفعة الطامع المتذرع
للإفساد بين الناس الساعي بالغيبة والنميمة والتجسس وصدقي فيما أفعل من إنفاق في
سبيل الله والنفقة على المسكين واليتيم والفقراء والمحتاجين من معونات .
وصدقي في نيتي أي قصدي الطاهر الخالي من التعللات النفسية وصدقي
في الود لله بصفاء العبادة لله والفضل في ذلك للودود المبتدي عبده بالود والجود.
وصدقي فيما أعد به بتحقيق ما وعدت وأنا مستريح البال.
وصدقي في وجهتي في العمل إرادة وجه الله لأنه يعلم أن الرياء لا
يقبله الله وصدقي في الوفاء بالعهد ( رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
***
29-
بصبري بتفويضي بتسليم بالرضا بتسكين قلبي ثم نفسي بلا عتب
بصبري عن محارم الله والشهوات والصبر على إتباع أمر الله
والطاعات والصبر عند المصائب والعلل والصدمات احتسابا لوجه الله والصبر على
الإيذاء من الجاهلين والإعراض عنهم لأنه لابد من التعرض للداعي إلى الله بالقول
والتجريح بالصراحة أو التلويح والصبر بالعمل على الإيذاء للنفس والتعدي كما حصل لسيدنا
رسول الله ومن والاه ولذا كانت الهجرة له وفراره ببدنه ودينه إلى مهجره ومأواه.
ومن الصبر يتشعب التفويض والتسليم والرضا واليقين الذي به تحصل
الطمأنينة للقلب والتسكين أي السكون للصابر دون شكوى تحتوي على عتاب فلا يكون
العتاب مقبولا عند أرفع جناب .
فقد يقول قائل : ما فعلت يا رب حتى أبتلى بهذا المصاب ؟ففي ذلك
القول أخطأ وما أصاب الله لا يسأل لأن في فعله عين الصواب .. ( وعسى أن تكرهوا
شيئا وهو خير لكم ) حيث تكون الجراحة للجريح حسن حال لما كان من التطهير لسبب
العلة واقتلاع هذا السبب عظيم نوال.
والمعهود أن يكون بعد العسر يسر وبعد كل شر يكون لطف من الله
وإقبال كل خير فالحرب عادة أن يكون مكروه ضار ولكن الحرب كانت سببا للدفاع عن
النفس وود جود الاستقرار وما كان حرب الرسول والشهادة للشهيد إلا علو منزلة عند
الله تعالى وعند العبيد وجزاء الشهادة أن ينتقل الشهيد من حياة دنيوية تافهة إلى
حياة تكون بها روحه ناعمة مترفهة والشهادة هنا تكون لإعلاء كلمة الله سبب وهنا
يتخلص الشهيد مما يلاقيه غيره في الدنيا والآخرة من تعب ونصب بما هو فيه من إكرام
ينصب وذلك رضا له ممن للخير وهب ولذا يجب ألا يكون شكوى ولا عتاب ولا تألم للمؤمن
يكون مكتفيا بعلم الله راضيا بقضاه متأكدا أنه تعالى حكيم في عطائه والمنع وربما
كانت المنحة محنة والمحنة منحة فالله تعالى دائما يتكرم بالأنفع وهو عن الضر لغير
مصلحة أرفع فالامتحان لنوال النجاح باب لأولي الألباب فهو مهر السعادة الروحية
دنيوية كانت أم أخروية ورضا الله مهره غال وعلى قدر تمام النيات تكون المجاهدات
وانظر قول الله ( والصابرين والصابرات ) ونهاية الآية بقوله تعالى : ( أعد الله
لهم مغفرة وأجرا عظيما ) وذلك لمن تشملهم تلك الآية تكريما .
ولذلك ورد بعد ذلك قوله : بصفائي...
30-
بصفائي بسخائي بالتجائي بدعائي برجائي بالحمد قد تم قربي
أي بصفائه الروحي الذي لازمه في كل تطوراته في إقامته التعبدية
والمسيرة الصافية عن ملاحظة الأغيار وملازمة العبادات واصلا الليل بالنهار والجمع
على الله محفوظا من الأغيار والفرح برضاه وأنه تعالى بكل فضل والاه لذلك غار عليه
مولاه فلم يكن لشيء عنده منزلة غير تقواه وحبه الله والهيام الذي به تدرج لأغلى
غايات بالمقامات وكذا حبه لكل من أحب وما يحب الله.
بسخائي بالتجائي : أي بسخائي في بيعي نفسي ومالي لله "
والجود بالنفس أقصى غاية الجود "( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم
بأن لهم الجنة ) ووقفت عمري في الجهاد في سبيل الله والنفس والمال كانا مما تركت
من العيال والآل والصحب والدنيا وكل ما أحببت لأجل الله تعالى ابتعدت وعنه افترقت
وإلى خالقي التجأت مسلما إليه تعالى روحي وقلبي وجسمي وعقلي ونفسي وعياني وحسي فكل
هؤلاء كان ملكا لله دون سواه فروحي وفت بما تعهدت بيوم ( ألست بربكم ) وكان وفاؤها
في كل ما تعهدت متعهدة والقلب كان ما تعهدت متعهدة والقلب كان يتفكر في الملك
والملكوت مذهول وبإجلال الله وتسبيحه أي تنزيهه تعالى مشغولا فهو ( ليس كمثله شيء
) وهو خالق كل شيء وأنه له واجب وجائز ومستحيل ... بمحله ذكرناه .
كذلك الجسم بأعماله كان متمها ومطبقا للوازم الايمان وحب الرحمن
وكلاهما الله تعالى صان عما يتنافى عن صافي الايمان أو التهاون في شيء من الأركان
وهو قول العبد سبحان الله أي: أنزه الله تعالى عن كل ما سواه.
بل ليس هناك إلا عبد ومعبود وفقراء لله الصمد الذي لما يطلب كل
طالب مقصود لأنه الغني والكل فقير وإليه ينتهي فعل كل شيء.
وهو على ما يشاء قدير وإن من شيء إلا يسبح بحمده .
بدعائي برجائي : نعم ... فلولا الرجاء ولزوم الدعاء لمحقه الخوف الذي
إن زاد جر إلى اليأس قطعا وبلا مراء فالخوف شاغل للنفس والقلب بمخافة الانقلاب إلى
سابق العهد بالمعاصي ولتوجسه من عدم الوفاء بالعهد مما يكون بعده الرد من الله
والصد أو الطرد وسبب ذلك أن يرى أن فتحه تأخر وأنه لم يلمس الترقي وزيادة الإيمان
ولا يشعر بما يطمئن أن التوبة منه مقبولة وكيف تكون مقبولة وهو لا يزال بحديث النفس
والوسوسة وخنس الشيطان وعدم زوال الوهم وفقد الأنس يتناوب ويتجاذب مع شرح القلب
وكذا تتجاذبه الظنون النقية كما تتجاذبه الظنون النفسية ولا يفرق بين ما ينتابه من
تدافع الظنون وتخالف الفكرتين كل ذلك لأنه مازال يفكر في ماضيه وتركه طول هذه
المدة لربه بل وتجافيه وكيف يزول كل ذلك بالتوبة العارضة التي لها النفس لا تزال
معارضة.
لذلك تراه في بحر الأوهام هائم وعلى مياهه المالحة عائم وهي
مياه لا تنبت زرعا ولا تسقي إنسانا ولا حيوانا ولا ضرعا فقد شبه الله تعالى القلب
بالأرض الصالحة للإنبات والغيث بما يحيي بمائه تلك الروضات بعد موتها وكذلك فإن
الله تعالى جعل نوره إحياء للقلوب بعد موتها فكيف ينسى ذلك الظان بالله الظنون وإن
الله ليس مستكرها على شيء أبدا فإن ود للعبد ترى العبد لله ود وإن تخلف ذلك الود
كان من العبد صد والتوبة علامة لما حصل من التائب من القيام بالتوبة والتوبة ما هي
إلا استدعاء والمتاب إلا إجابة لما دعا الله إليه فأجاب النداء وإن كانت التوبة في
حقيقتها إلا تعهد والله تعالى يشهد ويعاين إذ هي أيضا انتهاء جفاء وابتداء وصال
ورجعة للمتعال إرادة الذي لما يشاء فعال لأنه أراد القبول للتائب وإحلال حسن
الأخلاق محل مباشرة المعايب وليست هي دخول ملهى ولاسيما ورؤية مسرحية . بل حقائق
ثابتة من الله تعالى مرعية لأنها مقضية وحكما عدلا يقضيه ونفاذ مشيئته وإرادته
وزوالا لما اتخذه الإنسان مما صار عادة وثورة روحية وانقلابا على المفاسد ومن فسد
وخيرا لمن إلى الله التجأ وتبصر واستند وعطاء لمن جد ليجد ما الله وعد (1) ويقظة
قلوب بعد غفلة ونسيان وذكرا وذكرى بنعم الرحمن وهنا يتم بالحمد إجابة المرفوع من
الداعي الذي يرفعه العمل الصالح ويرفعه على قدر متكلمه تقديره يتم فليس كلام
الملهم والمحدث كسيدنا عمر ككلام أبي جهل وهو سميه ففرق كبير بين الكلامين فهذا من
معين وذاك من معين فكلام الأول من أعمر قلب عامر بالإيمان وذلك من قلب مملوء
بالكفران .
فكلام الفاروق زين وكلام سميه شين.
وكذلك تنبه أيها الخائف الراجي عن كلام الله بقلبك موجود بعدما
القبول والمتاب جاد فلا تقبل شنشنة حديث النفس ووسوسة الشيطان والخنس فكلا الأمرين
رجس من اثنين أصابهما وكس وارتكاس وكلما دهما منهما من وسواس فتذكر الله وقل :
أعوذ برب الناس قال الله تعالى : ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم :" أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك " وهنا من
البدهي أن للوسوسة وحديث النفس لا نتبع نصح ولا نلقى لهما سمع بل الواجب أن يكون
لهما طرد وقمع والحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة علامة على أنه وصل إلى سوء
الحال وأتعسه ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) حتى صار أضعف من كيد النساء الذي قال
الله مشيرا إليه بقوله( إن كيدكن عظيم ) فليتوكل المؤمنون على الله تعالى القائل :
( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) وهي أمان أي أمان.
***
31-
بعفافي بالاكتفا بكفافي بانتصافي
للروح بالعدل ينبي
بعفافي : بتعففه
عما في أيدي الناس فلا استشراف ولا نظر إلى مال من الأغنياء أو متيسري الحال فضلا
عن أنه لم يطلب من الناس شيئا وأنه كان لا يقبل منهم شيئا فلا إتاوات فرض ولا مالا
من غنى اقترض ولم يلمح بطلب مساعدة ولا
قبول هدية شخصية ولم يكن له بالطريق نظام مادي ولا فرض سنوي أو شهري كمن جعلوا
الطريق مصلحة ضرائب مما جر إلى الدعوة إلى الله المصائب والمعايب إذ كان مخلصا لله
قلبه خالصا سائرا إلى المعالي والعلو بالطريق ليس بأحد متربصا مدفوعا إلى العلو
غير ناكصا فضلا عما كان له من طهارة النية وسلامة الطوية والسيرة المرضية ومناقب
معروفة وأخلاق مألوفة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) وكما قال سيدنا رسول
الله :
" أحسن الحسن الخلق الحسن "
فلهذا كنا نرى أن المعاملة لجميع الإخوان متساوية في كل ناحية
لما جعل لكبيرهم أن يرحم الصغير ولصغيرهم أن يوقر الكبير وكان حب البعض للبعض ليس
له نظير أما الإخوان فكان لهم في شيخنا مقال يقال إن الشيخ هو كل شيء وإن الجميع
على مائدة كرمه الروحي عيال .. فلا توجد معاملة خاصة لأنه لم يتخذ خاصة حيث الجميع
له عنده من المكانة ما يجعله يظن أنه أقرب محبيه إليه لما يلاقي من تكريم عظيم
وبسط وجه لوالد كريم ولا تسأل عما كان عليه الإخوان من حب البعض للبعض حيث
المعاملة كانت دائما معاملة الند للند مما أوجب الالتئام وجميل الخدمة والالتزام
والتعاون في الدعوة في جمال من السر والنجوى ولا تنتظر من الوارث المحمدي إلا أن
يكون هكذا مع محبيه وبهذا كان عصره على الإسلام بركة وسلام وحسن انسجام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهو قوله تعالى : ( أولئك
يبدل الله سيئاتهم حسنات )
وهنا تجد فضل من رضي بالاكتفا بالكفاف والاتصاف بالعفاف ..
بانتصافي للروح والعدل ينبي :هنا يشير أنه كان معتدلا وبتلك
الكلمة على الاعتدال يدل فإنه كان عدل والعدل أساس الملك حيث أنه كان متصفا للروح
محكمات للعقل ومنفذا لما جاء به الشرع والنقل ولم يعمل بهواه وما كان الانتصار
للنفس يهواه وذلك من آثار حفظ الله والحفظ الإلهي للولي معروف أنه يقابل العصمة
للنبي لأننا كنا نرى شيخنا عدل ومعتدل في
كل أحواله بأعماله وأقواله وتعاليمه وعبادته محسنا في قيادته فضلا عن عفوه والسماح
لمن أذى إذ كان حلمه لروحه إذا وما قولك في رجل كانت لله دعوته حاملا راية الدعوة
خفاقة لإعلاء كلمة الله لا رغبة في دنياه بل تباعدا عما عداه وهذا شأن من أراد وجه
الله.....
***
32-
بمعراج روحي في سبوحي بكونه
تدبرت تدبيرا لفاطره يسبي
33-
وببحثي في الكون والروح والجسم
ونفسي قدرت قدرة ربي
أي بتجول فكري وقلبي وروحي التي هي سابحة كما يسبح السابح على
ماء البحر فيما عليه ذلك الكون وكذلك الروح يمكنها التجول بالفكر والتفكر ويمكن
للروح والعقل حسن التدبر وبهذا نفسر قول الله : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف
الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم
ويتفكرون في خلق السموات والأرض ...).
هنا يتم الإيمان ويعلو الاستيقان بما نظرت العينان وما علمناه
بالغيبيات المذكورة بالقرآن وأن القدرة التي أنشأت من جليل عظيم ما يراه لخير دليل
على ما الغيب احتواه وأوحى به إلى رسله وأنبياه فإن الظن لا يغني عن الحق شيئا
فالظن من إنشاء العقل والعقل على قدر نور قلب أضاءه فيه الله إنما العقل ينتفع
فيما يكون نتيجة لتجارب علمية للعين العالمة بالحس لكل محسوس أما الروحانيات فالحس
عنها متوقف وحبوس ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون )
أما عقائدهم في الإلهيات التي بنوها على معقولاتهم فهي ظن مرفوض
فهل كل يوم سنغير عقيدتنا عند ظهور عقيدة جديدة؟ .. أو نتبع عقيدة مبنية على سوء
أغراض لمغرض وللباطل المعلوم له ولغيره من المفكرين يفرض..؟ ولهذا الباطل تقرر
مقررات تدرس لتثقيف عقول الطلبة والطالبات ما اشتملت عليه كذلك من صريح ظن وترهات
كانت للفوضى بابا دخله العمال مدفوعين بالأمل كذلك دخله الزراع وأرباب الصناعات
فابتدأت الصراعات عند عمد تحقيق المنافع وصار كل فريق عن كيانه يدافع ولمطلبه
الغير يمانع وظهرت حقائق الواقع ووجدت فئات إلى المعالي لا تزال مترقية وفئات عمها
الفقر وسوء الحال لا تزال متهاوية هنا المرتفع لا يحب انخفاضا كما وجدت فئات
أمامها دون الارتفاع سدا منيعا فلا حول ولا قوة إلا بالله وهنا يترقى المستغل
بالاستمرار والضعيف لا يجد هدوء ولا استقرار وسبحان من يرسل بعد ظلام الليل ضوء
النهار لأنه وحده القهار .
والروح والجسم : هنا اتجهت إلى روحي فألزمتها الفهم للدين والعمل به
في حسن يقين .
واتجهت إلى جسمي الذي كلفته الجهاد والاجتهاد وبذل غاية الجهد
والجد .
وإذا كانت
النفوس كبارا تعبت في مرادها
الأجسام
وبحثي في نفسي : التي وجهتها فضائل الأعمال لتزكيتها وإصلاحها
وتنقيتها ورسمت لها الطريق التي ستسلكه مستعملا معها الترهيب بما أرهبتها والترغيب
بما رغبتها.
وهنا التزمت الطريق المستقيم وما ضلت وعن مطالبها تخلت وبالطاعات
تحلت والتزمت بالحق وما تولت.
وهنا تصالحت مع الروح والعقل والقلب في محاربة الشيطان والهوى
وما بقي في النفس من بواقي وطلبا للسوى.
وهنا اتفقنا على شرطين وهما : الإيمان بالقضاء حتى يتم لها
الرضا بالقدر وعدم الشكوى للغير اعتقادا أن ما صدر من الله خير تصديقا لقوله تعالى
: ( قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا
يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) وقوله تعالى : ( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا
هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم )
وقوله تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من
بعده وهو العزيز الحكيم ). وقوله تعالى: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن
فيكون )وقوله تعالى : ( ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه
والله بكل شيء عليم ) وقوله تعالى : ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)
والشرط الثاني : أنها تلتزم مقام الإحسان فإنه المفضي إلى تمام
الإيمان حيث أن الله تعالى رقيب وعليم قال تعالى : ( الذي يراك حين تقوم وتقلبك في
الساجدين ) وقال تعالى : ( وهو معكم أينما كنتم ) وقال تعالى : " إن الله لا
يخف عليه شيء في الأرض ولا في السماء) وقال تعالى ( إن ربك بالمرصاد ) وقال تعالى
: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ).
فقبلت كلاهما عن رضا وفرح وسألت الله تعالى التوفيق والإعانة
والصيانة والثبات والحفظ من الزلات وهنا
طلبت مني أن أراقبها وهنا طلبت مني أن أراقبها وأحاسبها وأنبهها إلى السير
على الصراط المستقيم ليحفظ الله تعالى وفي هذين الشرطين لي لأكون لمراده تعالى
مقيم وهنا قبلت ذلك عن حب يفضي إلى ما رجوت لها ولي من قرب.
هنا كان للشيطان والهوى هوان فلا خواطر خطيرة تخطر إذ كانت
كالبروقات السريعة تمر غير مكترثة لذلك المرور السريع أثر لأن الله لأولئك الأعداء
قهر وهنا انسل الجميع انسلال الهارب من المعمعة وهو وأعوانه خاسر للموقعة وظل
بجانب مظلم بالقلب لا حول ولا قوة متحققا فيه قول الرحمن ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان
***
34-
فانتهزت الشباب والوقت والعمر وحب الإله والذكر حسبي
نعم إنه يعرف تمام المعرفة أنه سيقف أمام الله ويسأل عما قدمت
يداه فإن الإنسان مسئول عن شبابه وعمره ووقته كيف كان فيهم مسراه وعن ماله فيما
استعمله وهل هو كان من حلال أو حرام اجتباه وهل هو عمره في عبادة قضاه ... وهو
مسئول عن كل عمل تولاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزال قدما
عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن عمله فيم فعل فيه وعن ماله من
أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه".
وهنا الجزاء للمحسنين والنجاة للمتقين وشر الجزاء للجاحدين
فالأول ثواب والثاني عقاب وهناك حاكم يحاكم على وزن الذرة"
( فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).
وهنا يكون إما حسن نجاة للبعض وسكنى الجنة ورضا الرب أو سوء حال
لمن يكون عاقبته الاستقرار بالنار مع غضب الجبار ( يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا
أنتم تحزنون الذين أمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون
يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها
خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون )
( وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها
أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون)
لذلك انتهز شيخنا الشباب والفراغ والصحة والعافية ليقوم بما
عليه واجب لله تعالى بعد أن رأى أن العمر يتفلت يوميا وكل يوم يمر انقضى بعضه ونقص
من عمره والمرء ليس شاعرا بالأيام حتى ينقضي عمره عاما بعد عام وسيداهم الموت
المرء وهو متحسر على عمره وضياع وقته عند فجأته بالضعف والأسقام ....( ومن نعمره
ننكسه في الخلق أفلا يعقلون)
حســــــــــــــبي(1):هنا : بيت القصيد للقصيدة الشاملة كل المقامات والإقامات
العديدة .
هنا: الدرة الفريدة .
هنا الأساس لكل ما كان من عزيز اقتباس
هنا: العثور على منجم الماس.
هنا : الحقيقة الخالية من الأفكار والوسواس .
هنا : الطهارة من الشك والالتباس.
هنا : الإيمان واليقين للذوق والإحساس.
هنا : هجوم محبة الله على قلب طفل لم يتعد سبع سنين
هنا : الأنس بالحب الإلهي وحب النبي الأمين .
هنا : انجذاب القلب لأعلى جناب ورسوله الأواب.
هنا : صرخات داوية يعرفها أولوا الألباب
هنا: ابتداء فتح باب عطاء الوهاب
هنا : التدرج وارتفاع ينساب.
هنا : ستكون جذبة ذلك الطفل وانجذاب
هنا : كان الحب والذكر تغريد فريد لذلك البلبل الصغير ذلك يتم
بأدب واحتشام وحياء منقطع النظير.
هنا : لزوم المساجد والذكر كان أول بشير
هنا : الكراهة للكتابة واللوح والقلم نجم ، وبالتلقي للقرآن
الكريم انسجم
هنا : بالقرآن تم فهما له على قدر عقله المبكر يتم .
هنا : صار صامتا متدبرا متأملا فيما له ناظرا
هنا كان يسأل نفسه أسئلة متتابعة عن الكون وأسراره ومنبعه
هنا : صار اندفاعا للعمل قوي فيه الأمل أن الله تعالى سيتفضل
بمعرفته لجلاله وجماله وبهاه وكان ما كان من سلوكه الطريق وانتظام السير حيث وقع
منه مالا يحصل عادة من الغير فإنه ابتدأ سلم السلوك بالذل والخدمة لله.
هنا : لإخوانه صديق ولربه تعالى عبد مملوك رقيق ثم كان ما كان
من خلوات وجلوات وسياحات وجذب بالساحات ورجوع ودعوة لرب السموات وما تم من إكرام
بلغ القمة بحصول تمام النعمة ...
هنا : كان فضل الله تعالى في كل ما قصده عم وتم بالحب والذكر (
وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) ولذلك كان الذكر وحده منهاجه الذي تلقاه تلقينا
من سيدنا الرسول ومعروف عن القوم " الصوفية " أن الذكر هو الطريق
المختصر للوصول إلى الله والرسول . وما الرسول إلا باب الله الذي لا يدخله على
الله أحد إلا منه ممن رضي الإله عنه .
" وأنت
باب الله أي امرئ أتاه
من غيره لا يدخل"
***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الحسيب: هو الكافي أو
الكفيل أو الضامن لما يكفي الطالب للوصول لله ونوال هداه ورضاه.
35-
فحباني ربي بكل مقام منه فضلا
بلا تطلع قلب
فحباني ربي بكل مقام : نعم ... يقولها من اجتاز مقام
القطبانية وحاز مقام الوراثة المحمدية وبذلك نال مقام المعرفة والرضا حيث بذلك
الله سبحانه وتعالى قبلا قضى وبذلك على ما جاء به القرآن يسير في سهولة وتيسير
وللسنة النبوية ملاحظ وعلى توجيه الرسول محافظ عاملا بالشريعة الغراء متحققا بما
تحقق به كالراسخين المتحققين من الأولياء حيث كان علمه خضريا ربانيا لا بالتعلم
الإنساني المعهود بل يفيض تكرم به المعبود المقصود صاحب الجود ويؤكد ذلك إقرار
علماء عصره بعد مناظرتهم له ونصره مما جعلهم له يذعنون ولطريقته يتبعون ولها يدعون
.
منه فضلا بلا تطلع قلبي : نعم ... كيف يتطلع إلى المقامات
ويتسرع في طلب الجزاءات ويعاني في طلب جليل الهبات وكيف يكون له اتجاه لحب الظهور ربما يؤدي
للرياء بما نال من عطاء وهو الذليل المنكسر الخاشع المستحى من رب الأرض والسماء
المفطور على العبادة والذي هاجمه حب الله تعالى ورسوله وهو طفل حتى سلب ذلك الحب
له لبه والعقل .
كيف وهو القائل منبها لمن يطلب الدرجات : من ذكر الله تعالى
طلبا للدرجات فهو محجوب عن الذات.
والقائل : إنا نذكر
الله لله – يعني بذلك : أننا نذكر الله تعالى حبا فيه وتوحيدا له وتمجيدا لذاته
وإجلالا وتقديرا لصفاته والأفعال وعرفانا وتقديرا للمتعال وما المقامات إلا
لصاحبها امتحان لما سيجري به القضاء إثر ذلك العطاء فأما إلى وضع يستديم به هذا
الرفع والترفع وإما أن يكون استدراجا وامتحانا للإيمان ربما رسب فيه صاحب الظهور
الذي يقصم الظهور ويطفئ النور ويوصل للغرور وهنا يكون من حفظه الله تعالى ناجح
والمنحرف عن الله جانح وهنا المرضي عنه يكون قدوة ونبراسا بينما المستدرج في هبوط
وانتكاس حيث أخته العزة بالإثم فهو رجيم. بينما المحافظ الصائن لعطائه يكون بتلك
المقامات مقيم .... لذلك كان شيخنا رضي الله عنه دائم العبرة من الاعتبار خوفا وإجلالا
لمن يفعل ما يشاء ويختار هنا كانت المذلة رداء والانكسار إزار لأنه الذاكر اسميه
المهيمن والقهار...
***
36-
وتلقنت منهجا من حبيبي فدعوت
المراد لله ربي
وتلقنت منهجي من
حبيبي : نعم فإن للواصلين من الأولياء تخطى رجال السند والوصول إلى سيدنا الرسول
والمبايعة له حيث يكون استلام المدد لإعطاء من رشد ممن دعوا إلى الله ولزموا
المنهاج وكان لهم للمدد احتياج ويخافون الاستدراج المتأكدين أن الحساب يكون على
النية وما تكون عليه السريرة والطوية والعلمين بأن الله تعالى يعلم السر وأخفى أي
وأخفي من السر كحديث النفس ووسوسة الشيطان والخنس والسميع البصير لما يدور في
القلوب والنفس ...
هنا يكون التصرف في المدد على قدر من له الداعي استعد ... ( هذا
عطاؤنا فامنن أو امسك بغير حساب ) ....
وهنا تكون الزلفى للمربي وحسن المآب بنوال الرضا من الوهاب.
فدعوت المراد لله ربي : هنا كأن شيخنا رضي الله عنه يقول :
إن الله أراد له أن يستعد فاستعد وبذا وصل واتصل وهنا كان مأمورا بما أمره به
سيدنا الرسول لذلك كان السير في الدعوة موصول من القلوب مقبول وبهذا صارت الدعوة
جاذبة للناس وكان حب الله والذكر أساس حيث قال شيخنا رضي الله عنه : إن الفتح
الحقيقي في طريقي هو تيسير الله تعالى للذاكر أن يذكر الله كثيرا . وما كان من
الفتوحات غير كثرة الذكر فهو مظاهر إنعام وموارد إكرام ففي ذلك تنبيه إلى أن لا
يكون شيء من الالتفات لنوال الدرجات وأن يكون لمن نالها صيانة للأمانة باستعمالها
للضرورة في نجاح المسيرة والتذرع بالكتمان قدر الإمكان هو باب الأمان ...
***
37-
وذاك بتوفيق وحسن عناية
وحسن قضاء سابق معه يا حبي
نعم كأن شيخنا رضي الله عنه يقول منبها لذوي العقول : أن
يداوموا على سؤال الله تعالى التوفيق فالتوفيق لرغبة الداعي لله وسائله به يكون حسن
التحقيق وإن هذا التوفيق له أمور بها تجاب الطلبات وتنقضي المهمات وتزول المساءات
وبها يتم اليقين ويكون ملتزمها من المتقين وما هذه الأمور إلا حسن التوكل على الله
والرضا بقضاه والالتجاء إليه والتفويض له والتسليم للعليم والتذلل والانكسار
للكريم وحسن الاستقامة للنجاح علامة وهنا يزول البأس وينتهي اليأس ( يمحو الله ما
يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .
فالله سبحانه وتعالى تواب على من تاب ولله تعالى رجع وأناب وما
التوبة إلا عفو من الله يتم به محو الحوبة لمستغفر بالله مستنصر ( وما النصر إلا
من عند الله ) الموفق لطالب التوفيق للعمل بما يحبه الله وما فيه رضاه فعند الرضا
يكون اللطف بالقضا ومحو ما مضى ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ).
***
38-
هنا لم ألاق للغرور وشره
وأسجد شكرا واضع الوجه بالترب
هنا كأن شيخنا رضي الله عنه يقول : إن ما ناله من عطايا غالية
ودرجات عالية مما جعله يتصدر الداعين حتى صار ينافس السابقين فقد مهد الله له سبل
النجاح ونوال تمام الفلاح حتى وازن طريقه مختلف الطرق الصوفية بل تعدى عددها لكمال
طريقته وقوة فتحها وكان هذا كله لم يورثه الغرور حيث هو متأس بالقرآن وسنة الرسول
المسمى بكتاب الله نور ( لقد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ) وموقنا بأن ما هو فيه
من حال بلغ الذروة في غاية من القوة ليس إلا تفضلا من الله الكريم وهدية من الله
العظيم الذي جعله بحبه طفلا يهيم متأكدا أنه لا عن عبادة وسهر وترك النعيم
والوسادة معتقدا أن العطاء من الله وهب لا يجر إلى جلبه كسب وأن الولاية للولي كما
قال سابقا: إنها تقابل الاختيار للنبي وذلك بوهب مقام الحفظ الإلهي لوارث النبي
والفضل لله الذي جعله للدعوة خادما وبها قائما وبذلك فضله على كثير من الناس ويحس
بذلك كل الإحساس ويشكر الله تعالى – واضعا خده بالتراب ساجدا – أن حفظه من أكبر
نكبة كان لها هجوم على العقل ووثبة فإنه إذا أراد الله أمرا سلب من ذوي العقول
عقولهم وهنا ترى من كبار الملائكة والناس ما سلم العظيم منه لليأس دون شعور وإحساس
حيث القضا مضى بأن يكون للمسلوب بغير علمه عامل وبعلمه متجاهل أو جاهل وهنا يعترض
على الله فيما قدره وقضاه ويدافع عن نفسه متهما لمولاه غير عابئ بما يأمر به الله
وكان أول من وقع في هذا الخطأ البئيس إبليس الذي جادل مولاه ونسي أنه على الملائكة
رئيس وجادل بما لم يجادل به أجهل خسيس وهذه جرأة على الله تم بها أمر طرده بسحب
وده لما نكث من عهد والعجيب أن يسأل ذلك المجترئ الوغد من الله مسائل تؤهله إلى
إفساد العقول بالذات وبحبها للدني والشهوات والمعاصي ودنئ النزوات فيجيبه الله
تعالى لما سأل من مسائل وقال الله تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ... )